كيف تصرف الناصريون عقب نكسة 1967؟

صورة بشار طافش

 

أواخر ستينيات القرن الفائت كانت الجامعة الأمريكية ببيروت مقراً للمخابرات المصرية، ولماذا يستأجرون الشقق وها هي الجامعة كلها مقر لهم؟ يتسائل الدكتور عبدالله النفيسي، فقد كانت الجامعة وجهة للقوميين العرب والناصريين ومنبع لهم كذلك، يقول النفيسي أننا كنا نعلم بأن هدف جمال عبد الناصر وقتها كان هو صناعة جيش من الطلبة الناصريين الذين يخرجون بمظاهرات ويصنعون زَخَم داخل الجامعة وخارجها تستخدمه مخابراته وقت شائت ذلك، لكننا لم نكن نعلم متى سيخرجون هذه المظاهرات ومتى سيستخدِمون هذا الزخم ولم نكن نعلم كذلك الهدف الأكبر من صناعة هؤلاء الناصريين، غير أننا كنا نعلم بأن هؤلاء الناصريين سيتقلدون مناصب في بلادهم عقب التخرج كونهم غالباً مِن عِلية القوم.
وإبان النكسة سنة 1967 يقول النفيسي، كانت سنة تخرجي من الجامعة حين حدثت مناحة بين الطلبة على وقع النكسة كل الطلبة العرب، لكن الغريب أن الناصريين الذين صنعتهم مخابرات عبد الناصر كانت مناحتهم وحزنهم فقط على عبد الناصر وأكثر من أي شئ آخر، كان غريب جدا أنهم لم يحزنوا سوى على عبد الناصر الذي هو سبب النكسة أصلا، فخرجت مظاهراتهم من الجامعة عقب النكسة وشعاراتهم وهتافاتهم فقط ناصر ناصر ناصر، لقد أُحتُلَّت كامل فلسطين وذهبت القدس وسيناء وغزة والجولان والأغوار والناصريون فقط خرجوا بمظاهرات دعماً لجمال عبد الناصر وللجيش المصري كما يقول الدكتور عبد الله النفيسي، حينها فقط أدركنا الهدف الحقيقي من صناعة هؤلاء الناصريين وزخمهم، لقد أدرك عبد الناصر كذلك أن الشعوب العربية عاطفية واستغل عاطفيتها خير استغلال ونجح في تخديرهم لسنين وسنين.
يقول النفيسي أيضا، في 5 حزيران سنة 67 كنتُ أستمع إلى إذاعة الشرق الأوسط من القاهرة التي أعلنت وقتها أن القوات المصرية أسقطت 69 طائرة للعدو الصهيوني، فاستغربتُ الخبر ثم حَوَّلتُ الموجة إلى إذاعة BBC البريطانية لأتحقق منه، وإذا بالمذيع يقول أن الجيش الإسرائيلي قام بتدمير كل طائرات الجيش المصري الحربية عن بكرة أبيها وهي جاثمةً على أرض المطار، ثم خرج علينا جمال عبد الناصر في اليوم التالي بخطابه الشهير حول التنحي وتحمُّله للمسؤولية.
يقول النفيسي أنه ذهب الى جريدة النهار اللبنانية في اليوم التالي كي ينشر مقال يكشف به زيف عبد الناصر والعسكر فلم يستطع نشره، وقال له رئيس التحرير وقتها بالحرف “أوعك تكتب شئ عن عبد الناصر خاصة هاليومين لأنه احتمال يحرقوا الجامعة باللي فيها ويحرقوا الجريدة إذا نشرنا مقال ندين به عبد الناصر”. 
 ثم يتسائل النفيسي، أيُّ تحمُّل للمسؤولية وأي تنحي هذا الذي يتحدث عنه عبد الناصر في خطابه عقب الهزيمة وهو من ضيَّع سيناء وغزة والقدس والجولان وذهب بالبلاد من هزيمة اقتصادية إلى هزيمة عسكرية فهزيمة سياسية؟ ثم تَخرُج علينا في اليوم التالي جماهيرهُ بأمر من مخابراته بمظاهرات ضخمة تطالبه بالبقاء على رأس الحكم؟ يقول النفيسي أن الشعب الإيطالي الذي هتف لموسيليني صانع النهضة الصناعية في إيطاليا ومُدشِّن مرحلة إيطاليا الحديثة، حين فشل في الحرب علَّقوا جثته في شوارع إيطاليا لأيام حتى تعفنت وخرجت رائحتها النتنة.
يقول الدكتور النفيسي أيضا أنه لم يُحاسَب أحد، لا عبد الناصر ولا عبد الحكيم عامر ولم يُسألوا حتى عما اقترفت يداهم، فهما فقط من يتحمل المسؤولية وهما فقط من كان يجب عليه أن يُحاسب، وهذا دليل قاطع على أننا شعوب عاطفية ما زالت مُستَغلة بعاطفيتها وهي مَن تدفع الثمن دائما، وستدفع ما هو أثمن بكثير إن استمرت بعاطفتها تلك وبتراخيها عن محاسبة الزعماء الذين اقترفوا ويقترفون الفظاعات تلو الفظاعات بحق شعوبهم والأمة.

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>