ما السر في عدم دعم العرب للخون اليهود؟

صورة بشار طافش

بينما نجد اليهود مثلا وهم تنكشف عنهم حقيقة في كل دقيقة عن مدى نفوذهم العالمي وخاصة نفوذهم في الغرب، ونفوذهم في بلاد العرب، نجد العكس تماما بالنسبة لنا نحن العرب، فخلال الأربعة أعوام المنصرمة على الأقل، صار من الطبيعي أن نجد مثلا أنه حين تنكشف حقيقة ما حول مصيبة من مصائبنا الكثيرة بأن نتفاجأ أن وراء هذه المصيبة هم العرب أنفسهم، أي مصيبة ممكن لك أن تصوروها عزيزي القارئ مِن شراء عقارات في القدس المحتلة ومنحها مجانا لليهود، مرورا بدعم الإنقلابات العسكرية التي ولّدت أسوأ دكتاتوريات في التاريخ البشري وما زالت تولد، وصولا إلى شيطنة الإسلام وقامات الأمة وثوابتها، إلى الحروب العربية الدائرة رحاها بسورية واليمن والعراق وتلك التي يُهيأ أتونها للإشعال في ليبيا، ومحاولة شق الصف التونسي وإنهاء حالته الديموقراطية الوليدة، والقضاء على المقاومة بغزة، حتى تفرقة أبناء الشعب الواحد داخل البلد الواحد، كل هذه المصائب نجدها تُنَفّذ بكل دقة ومثابرة مِن خلال العرب أنفسهم وباستخدام كل إمكانياتهم الهائلة التي هي أصلا مقدرات شعوبهم.

في الماضي كانت تنكشف حقيقة كل سبعين سنة من تلك الحقائق التي على شاكلة ما أوردناه، الآن تنكشف سبعون حقيقة كل يوم ورغم ذلك ما زال العرب ينحدرون أكثر فأكثر بفقرهم وجوعهم وتخلفهم وعبوديتهم وضعفهم وعطشهم وتشتتهم وتزداد مع ذلك كله دكتاتورياتهم إجراما وتفرعُناً، الواقع أنه كان من المفترض أن يحدث العكس مع هذا الكم الهائل من تكشُّف للحقائق، الذي بتُّ إسميه أنا مُواقحة بدل مكاشفة، فالعرب الآن يتفاخرون بالكشف عن خياناتهم لشعوبهم ولدينهم ولتاريخهم بكل وقاحة.

هذا التناغم بين قوة اليهود وخيانة العرب لأنفسهم جعلنا نعتقد بأن هذين الأمْرين ما هما إلا عبارة عن كفّتين لميزان واحد، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون ما يحدث في بلاد العرب من تدهور لأحوال شعوبها بفعل الأنظمة هو خيانة، الخيانة لها حدود صراحة، أما ما يحصل لنا نحن الشعوب فهو أكبر وأبشع من الخيانة، الخيانة تموت حين يموت الخائن، وكم مِن خائنٍ مات ولم تمت خيانته، أما في حالتنا العربية فالخيانة تورَّث وتزداد قوة وعمق، أستحلفكم بالله يا سادة، هل هذه خيانة أم هي شئ أبشع بمراحل؟ سأترك لكم الإجابة التي بتنا نعلمها جميعا الآن ونكتمها خوفاً من عقوبة إطالة اللسان أو عقوبة الجرائم الألكترونية وطمعا في الحياة البائسة.

لكن اليهود على عكس العرب تماما، بحيث لم نجد منهم قادة أو زعماء أو سياسيين وكانوا خون لقضيتهم الصهيونية أو لكيانهم الإحتلالي الغاصب، حتى وإن وجد، فهم بقوا مفكرين أو مؤرخين أو زعماء لجماعات، لم يرتقوا أبدا ليصبحوا زعماء لدولة إسرائيل كما حدث معنا نحن العرب في كل مرة، ومِن هذه الجماعات والمفكرين والفلاسفة مثلا الفيلسوف اليهودي الأمريكي المعروف، نعوم تشومسكي، والمؤرخ اليهودي، ياكوف ربكن، والحاخام اليهودي الأمريكي آرون تيتلباوم، زعيم طائفة، ساتمار، المناهضة للحركة الصهيونية، والمفكر، ناتان فاينشتوك، زعيم حركة، متسبين، التي تأسست في ستينيات القرن الفائت داخل دولة الاحتلال والتي عُرف عنها مناهضتها الشديدة للصهيونية ولقيام دولة إسرائيل، وجماعة، ناطوري كارتا، الحريديمية الدينية المتشددة التي يتزعمها الحاخام المتطرف اليهودي الفلسطيني، موشيه هيرش، والمناهضة هي أيضا للحركة الصهيونية ولقيام دولة إسرائيل، هيرش هذا الذي كان مقرباً من الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، والذي عينه وزيرا للشؤون اليهودية في السلطة الوطنية الفلسطينة آنذاك، وحركة، الفهود السود، التي تأسست في سبعينيات القرن الفائت أيضا والتي كانت تطالب بإنهاء الظلم والتهميش والتمييز العنصري ضد اليهود من أصول عربية واليهود من أصول أفريقية كيهود الفلاشا الأثيوبيين وغيرهم، وكان من أبرز زعماء هذه الحركة، رؤفين أفرجيل، تشارلي بيتون، سعدية ميرتسيانو، رافي ميرتسيانو، لقد نجح هؤلاء بتجنيد جمهور واسع من اليهود داخل دولة الكيان الصهيوني وخارجها يؤمنون بحركتهم وقضيتهم ومطالِبهم، وغيرهم من المفكرين والحركات اليهودية والأحزاب.

لكن رغم ذلك لم يتبنى العرب أيا من هذه الحركات أو يحتضنوا أحداً من هؤلاء المفكرين والفلاسفة والزعماء اليهود كما تبنى اليهود واحتضنوا الخون منا سواء كانوا مفكرين أو كتاب أو حتى روائيين وزعماء أحزاب وحركات، لم يُحسن العرب استغلال هذه الأوراق لصالحهم أثناء الصراع العربي الصهيوني الطويل، وأنا أقول أننا نكتشف كل يوم بأن العرب لم يكونوا معنيين أصلا باستغلال مثل هذه الأوراق التي كانت ستكون رابحة لولا خيانتهم، ولأن ذلك ببساطة ضد مصالحهم ومصالح أنظمتهم وعروشعم، أليس أمر غاية في الغرابة أعزائي؟ ثم من ناحية أخرى، أليس ذلك جزءً ضخماً من الحقيقة التي غابت عنا نحن الشعوب العربية المطحونة لنحو ثلاثة أرباع القرن؟.

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>