العرب وحلم التغيير

نحن كعرب بشعوبنا وبلداننا ضمن منظومة عالمية تخضع للتغيير، وحتى أنها تخضع لتبادل الأدوار أيضا، أنا من أوائل المؤمنين بذلك، فالتغيير قانون كوني لا يمكن التأثير عليه أو إلغائه إلى الأبد كما يُصوَّر دائما لشعوبنا العربية من خلال أنظمة عميقة عملت جاهدة على مدار عقود لتعطيل تلك الشعوب والضغط عليها منفذةً بذلك إملاءات قوى الإستعمار التي أوجدتها منذ الإنتداب ووضعتها على صدر الأمة، حتى أنها كأنظمة تابعة حققت أهدافا لصالح الإستعمار وضد الشعوب أكثر بكثير من الذي طُلب منها أو خُطط لها بأن تقوم بتنفيذه، وهذا الكلام ليس عيبا أو خطيرا كما تظن عزيزي القارئ، بل بات مستحسنا سماعه وخاصة أن بعض الأنظمة تمر بمرحلة المكاشفة والإعلان الواضح عن تبعيتها لمن أوجدوها وخلقوها يوما، كنوع من التأكيد على الولاء الذي يعتبر من أهم معايير الحفاظ على بقائها.

وإلا، لماذا الشعوب العربية قاطبة دون باقي شعوب الأرض تجدها وقد تميزت في العيش ضمن عوالم من الفقر والتخلف وسوء التعليم وتردي الصحة والزراعة والصناعة والسياحة وانعدام البحث العلمي، أو عوالم من عدم الحرية وتكميم الأفواه، أو عوالم من والتناحر والتأخر، أو عوالم من الفساد والمحسوبية والجهوية ووضع الرجل المناسب في المكان الغير مناسب، أو عوالم من الخيانة والإنبطاح التام لدولة الكيان الصهيوني، أو عوالم من العمل الواضح ضد الشعوب وعكس مصلحتها تماما في كل الإتجاهات، أو عوالم من الفُرقة والتشرذم وعدم الوحدة إلا ضد مصالح بعضها البعض لصالح أعداء الأمة وعلى حساب الشعوب المعدمة؛ لكن ليس على حساب الأنظمة، لماذا؟! وقد تجد دول عربية تتميز بكل تلك الصفات القذرة مجتمعة وما أكثر تلك الدول العربية! هل هذا صدفة عزيزي القارئ؟ لا يمكن أن يكون صدفة ولا بأي حال من الأحوال ونحن نجد تلك الأنظمة وقد تفرقت إلا على الشأن الأمني، فكل الأنظمة العربية حريصة على الحفاظ على بعضها البعض، وأمن بعضها البعض والغريب أنها غير حريصة أبداً على مصلحة شعوبها ولا على مستقبلها ولا على حياتها حتى.

نحن نكتب عن واقع حال مُعاش كل يوم وكل لحظة، وليس محض تحليل أو مجرد رأي، وها هو أمامكم حال وأحوال كل بلداننا العربية تقريبا وشعوبها، وكل ما يحدث لنا كشعوب باتت اليوم في أسفل الأمم هو نتيجة السياسات المجحفة بحقنا من قبل أنظمتنا، فهناك دول تغير دستورها بأربع ساعات فقط لا غير، ودول تبيع أرضها دون الرجوع للشعب أو استفتائه حتى، ودول تخوض الحرب وتزج بأبنائها في حروب ليست حروبها ضاربة عرض الحائط رأي شعوبها بذلك، ودول تهدر الأموال والمنح والمساعدات وإيرادات الضراب على الذوات والمتنفذين والفاسدين وآل البيت بينما شعوبها تعاني الأمرين للحصول على كفاف عيشها.

إلى كل الذين حلموا بأن يتحول الربيع العربي إلى موسم خير، وإلى كل الذين عارضوه أيضا أقول، فما شهدناه من أحداث مؤلمة ومؤسفة بعد الربيع كان رسالة واضحة إلى الشعوب الربيعية من أنظمتنا العربية بأنه لا بديل لكم عن أنظمتكم ولا عن فقركم ولا عن قهركم ولا عن تخلفكم ولا عن تأخركم وجعلكم ما حييتم في قاع الأمم سوى الدمار والقتل والتقتيل والجوع والخوف والإبادة فيما لو بحثتم عن بديل أو سولت لكم أنفسكم ذلك.

لكن ومع ذلك أقول مجددا، واهم ويعاني من خيال مريض من ما زال يعتقد بأن التغيير مستحيل أو ضربا من الجنون والدمار، هكذا علمنا التاريخ، فرغم ما نراه اليوم من تبجح أنظمتنا العربية في الخيانة وانحيازها التام لدولة الكيان الصهيوني والصهيونية وتصفية القضية الفلسطينية وتمرير لصفقة القرن والعمل الواضح والصريح ضد الشعوب وحريتها وسرقة مقدراتها ورعايتها للفاسدين المتسلقين على أكتاف الشعوب المقهورة لصالح الصهاينة ولصالح الشر، فرغم ذلك إلا أنها أنظمة تترنح وتمر في سكرات موتها، وما إصرار الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الكيان الصهيوني على تمرير صفقة القرن إلا دليل صارخ على أنها تدرك قرب نهاية هذه الأنظمة ونهاية حقبة عربية مظلمة، وفي حال موت تلك الأنظمة فلن يُمرَّر أي شئ، مع العلم أننا كنا نتمنى لصفقة القرن هذه لو كانت في مصلحة الشعوب قبل مصلحة الكيان الصهيوني، لكن هيهات أن تكون مصلحة الشعوب مقدمة على مصلحة الصهاينة.

إذا كل الأمور الغامضة تكشَّفت وأصبحت أهداف بعض الأنظمة وجيوشها العسكرية والأمنية واضحة كما لم تكن من قبل، وأصبح التبجح في العمل ضد الشعوب مبدأ حياة أو موت بالنسبة لها، ولم يعد من مجال للمواربة، وهذا يقودنا لأن نتيقن بأن سكوت الشعوب اليوم ليس قبول بهذا الحال أو تسليم به كأمر واقع، بل رفض، فالربيع آتٍ لا محالة من جديد لكني أعتقد أنه سيكون أكثر شراسة هذه المرة وأوسع نطاقا وأكثر جدية في القضاء على أنظمة عميقة عاثت فسادا في الأمة، ومخطئ كبير وخاسر من لم يؤمن بذلك بعد.

نشر على صحيفة العربي الجديد

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>