وثائق بنما واﻹضرار بالمناخ وديموقراطيات البلدان

بينما قُدّر عدد وثائق بنما المسربة بأحد عشر مليون ونصف المليون وثيقة، حيث بلغ حجم المعلومات التي حوتحا تلك الوثائق 2.6 تيرابايت، أي ما يعادل 2600 جيجابايت، نجدها لم تغادر أحداً من الفاسدين حول العالم أو شيئاً من أدوات  الفساد التي لم نكن نعلم عن إمكانية إستخدامها كآلة فساد هائلة وضخمة في يوم من الأيام.

حيث تُظهر وثائق بنما كيف أنها غطت بعضاً من أقوى وأغنى الأشخاص في العالم وثرواتهم الضخمة، من خلال الملاذات الضريبية -الآمنة- والشركات الوهمية في الخارج، إذ تم استخدام الفساد والتهرُّب الضريبي وغسيل الأموال بفاعلية منقطعة النظير.

فوفقا لبعض التحليلات الأخيرة، فقد أظهرت المفوضية الأوروبية للطاقة وتغير المناخ كيف تورط بارونات النفط في العربية السعودية وقطر وأنجولا والكونغو، وحتى “ميغيل أرياس كانيت” المفوض الأوربي للطاقة والمناخ في هذا الإحتيال، والجدير ذكره هنا هو أنه ليست هذه هي الحالة الوحيدة التي ثبت فيها بأن صناعة الوقود الأحفوري تشارك بشكل فعال في الفساد والممارسات المناهضة للديموقراطية في مناطق صناعته.

لقد أظهرت فضيحة “يونا أويل” Unaoil الأخيرة كيف أن شركات النفط المتعددة الجنسيات دفعت ملايين الدولارات كرِشاوى للفوز بعقود التنقيب عن النفط في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا، من خلال الشركة الإستشارية Unaoil والتي أطلق اسمها على الفضيحة المذكورة، والتي مقرها موناكو في فرنسا، هذا يؤكد أن شركات الوقود الأحفوري متورطة في الفساد منذ سنوات طويلة جداً.

من الملاحظ أن صناعة الوقود الأحفوري والتحامها مع جماعات الضغط الكبرى، لم يضر فقط بكوكبنا من خلال إنبعاثات المزيد من الغازات الدفيئة التي خلقت ظاهرة الإحتباس الحراري وتغير المناخ وتطرفه، لقد وُجد أن ذلك أضر أيضا بنظامنا الديموقراطي من خلال الممارسات الفاسدة من دفع الرشاوى والتهرب الضريبي لتحقيق أهدافها كشركات، والتي تؤثر في نهاية المطاف على حكومات بلادنا.

لم يعترف اللوبي الأحفوري بوجود تلك الأضرار المحتملة لتغير المناخ وعمل طويلا وفقا لذلك، حيث أظهر التحقيق الذي دام لسنوات عندما أعلن مدعي عام نويورك كيف أن شركة “إكسون موبيل” وهي أكبر شركة للطاقة في العالم، كيف أنها علمت في وقت مبكر من عام 1977 حول تغير المناخ إلى الأسوأ، وكيف أنها أخفت تلك الوثائق والمعلومات طويلا في سبيل تحقيق المزيد من الأرباح! إذ أن ذلك لم يمنع الشركة من الإستمرار لسنوات طويلة في نشاطها مع عدم إعترافها بالتغير المناخي حتى أنها سعت لضليل العالم حول ذلك.

عالم المناخ مايكل مان الذي اثار قضية شركة إكسون موبيل

عالم المناخ مايكل مان الذي اثار قضية شركة إكسون موبيل

في العام الماضي 2015 وفي مدينة باريس، صادقت الإنسانية جمعاء على الحد من التغير المناخي، وأنها لن تستمر في تعريض كوكبنا للمزيد من الخطر، حيث أكد علماء على أنه لتحقيق هذا الهدف، فإنه يجب التوقف تماماً عن حرق الوقود الأحفوري القذر، وترك ما يصل إلى 75% من إحتياطياته عالمياً قابعاً في باطن الأرض دون استخراج، لقد ألَحَّ العلماء على تنفيذ ذلك فوراً، فقد كان العام 2015 الأعلى حرارةً على الإطلاق، حيث استمر ذلك خلال شهري يناير وفبراير من هذا العام 2016.

لكن بعيداً عن إلحاح العلماء، فقد ظهر هناك مؤشرات جيدة وصحية حول الموضوع، حيث هوت أسعار النفط إلى الثلثين في غضون الثمانية عشر شهراً الأخيرة، وتشير التنبؤات أنها ستبقى منخفضة لعدة أشهر مقبلة، فبعد إعلان الصين أنها أغلقت 1000 من مناجم الفحم لديها في العام 2016، من أجل الحد من التلوث العالمي، حيث انخفض الطلب العالمي على الفحم الحجري بعد أكثر من عقد من الزمن على النمو، فإنه أمراً يدعو إلى المزيد من التفاؤل فيما لو التفتنا إلى مسألة أرباح شركات اللوبي الأحفوري، وفي ذات الوقت، فقد بلغت الإستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة حتى نيسان/أبريل 2016 ما يعادل 300 مليار دولار، مما يدل على مستقبل أكثر طموحاً نحو 100% من الطاقة النظيفة حسب توصيات مؤتمر باريس للمناخ.

صورة تذكارية لقادة العالم في مؤتمر باريس للمناخ 2015

صورة تذكارية لقادة العالم في مؤتمر باريس للمناخ 2015

 

حقائق…

الحقيقة الأولي: هناك حركة عالمية متنامية ضد الوقود الأحفوري واللوبي خاصته، من خلال الحِراكات الشبابية حول العالم، والزعامات المحلية للسكان الأصليين، والأكاديميين والأطباء والناشطين البيئيين الذين يضغطون تجاه مُسائلة حكومات بلادهم حول مدى الإلتزام بتطبيق إتفاق باريس 2015، والإستثمارات في الطاقة النظيفة والتشجيع على ذلك، والإستغناء عن استخدام الوقود الأحفوري القذر بشكل نهائي.

الحقيقة الثانية: الوقود الأحفوري القذر سوف لن يكون جزءً من مستقبلنا المشترك، ليس فقط لأنه سبب مباشر في ظاهرة الإحتباس الحراري وتطرف مناخ كوكبنا، بل لأنه أيضاً جزءً لا يتجزأ من نظام كوكبنا السياسي الفاسد القديم والذي نسعى لتغييره والتخلص منه وتركه من خلفنا.

بلدان ووثائق بنما…

البرازيل: كشفت وثائق بنما فضائح فساد ضخمة جداً تتعلق بشركة النفط “بتروبراس” المملوكة جزئيا للدولة، ارتبطت هذه الفضائح بساسيين وشركات بناء ضخمة ومدراء تنفيذيين لدى بتروبراس، وهنا يظهر مجدداً بأن صناعة الوقود الأحفوري لم يفتك فقط بالكوكب، وإنما بديموقراطيات البلدان حيث عانت البرازيل من الركود الإقتصادي وسوء إدارة البلاد من خلال النخب السياسية، الأمر الذي دعى للتفكير في طرق جديدة للنمو وتعزيز قطاع الطاقة النظيفة من خلال تنفيذ خطط تتعلق بالتغير المناخي.

المملكة المتحدة والولايات المتحدة واستراليا: أصبح ملحا أيضا في هذه البلدان أمر التخلص من الوقود الأحفوري بسبب فضائح الرشوة، حيث كشفت وثائق بنما كيف أن شركة “رولس رويس” البريطانية وشركة “لايتون هولدنجز” في استراليا والشركات الأمريكية “هاليبرتون، وهانيويل، وKBR، و FMC تكنولوجي” دفعت ملايين الدولارات كَرِشاً للفوز بعقود في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا من خلال شركة Unaoil في موناكو.

جنوب إفريقيا: نجد أن الفساد هنا تعلق بعائلة غوبتا والتي كانت مؤخراً مثيرةً للجدل، لعلاقاتها الوثيقة مع الرئيس الجنوب إفريقي، حيث أنه يُعتقد ومن خلال شبكة علاقات هذه العائلة الثرية بأنها حصلت مؤخراً على عقود توريد الفحم الحجري لشركة “إكسوم” لتوليد الكهرباء.

لقد لاحظنا من خلال هذه الرشاوى والفساد والفضائح التي تعلقت بصناعة الوقود الأحفوري، كيف أنها أدت إلى تآكل ديموقراطيات الكثير من البلدان حول العالم، بينما أفنتها تماماً في بلاد أخرى، إلى جانب مساهمتها المميتة في الإضرار بكوكبنا، نحن الآن بحاجة أكثر من أي وقتٍ مضى للإبقاء على الوقود الأحفوري المتبقي داخل مكمنه هناك في باطن الأرض، الأمر الذي سيسهم بشكل فعال بإيجاد نظام ديموقراطي أفضل وحقيقي وأكثر شفافية، في كل البلدان التي عانت في أتون فساد اللوبي الأحفوري الدولي، وأيضا حماية كوكبنا من خطر تغير المناخ وتفاقم ظاهرة الإحتباس الحراري.

5 comments on “وثائق بنما واﻹضرار بالمناخ وديموقراطيات البلدان

Submit reply to بشار طافش Cancel reply

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>