اقترب طوفان الجنون..أين نفر؟

بت مؤخراً لا أستغرب كثيراً حين أقابل في الساعة الواحدة ثلاث أو أربعة محللين سياسيين على الأقل..أينما حللت.

لكن، في خضم مصارعتي للخروج من بين براثن هذا المحلل أو ذاك، تجدني أصطدم في النهاية بجدار سؤال يكرره جل هؤلاء المحللون الإرتجاليون:

أين نذهب إن جن جنون القوم؟

بات هذا الآن سؤالاً حاضراً غائباً، فبرغم الحنكة السياسية التي يبديها الجميع، إلا أن أحدا لا يستطيع الإجابة على سؤالا ضخما كهذا السؤال، أزعم أنني أعرف بعضا من إجابة على ذلك، وإليكم هذا البعض:

الصحراء…

والمقصود هنا أي صحراء عربية -كون المناطق التي يُجن فيها الأقوام مؤخرا عربية بامتياز- لكن نقصد بالصحراء أيضا أي صحراء غير مأهولة البتة، يكفي أن تسير في المركبة (أي مركبة تجدها) تجاه الصحراء حتى يفرغ خزان وقودها، ويا حبذا لو كان لديك المزيد من الوقود، لكن يجب أن يكون بحوزتك إلى جانب الحاجيات الأساسية بعضا من ماشية كالماعز أوالخراف، فمثل هذه الحيوانات ضرورية حد البقاء وخاصة في منطقة كالصحراء، لأنها تكفل لك العيش بعيدا عن الحضارة والبشر أمداً بعيداً وطويلاً جداً.

الصحراء العربية القاسية

الصحراء العربية القاسية

فالجنون يبدأ في المدن البعيدة عن العاصمة والقرى المحيطة بها، ثم يأخذ في الإنتشار إلى باقي المدن وقراها، يبقى الهدف الأعظم للجنون هو النيل من العاصمة، لذلك نجد أن الصحراء هي المكان الآمن لا بل والآمن جدا، فهي أبعد ما يكون عن أهداف القوم المجنون وجنونهم.

لكن الصحراء غالبا ما تكون من نصيب الأناس الأقل حظا والذين لا يملكون أن يسافروا خارج بلاد الجنون -بلادهم- أو أن نصيحتنا تلك موجهة دون أن نقصد لأولئك البشر بالذات(…) بينما هناك أماكن قد تناسب أناسا كانوا وما زالوا أوفر حظا.

القطب الجنوبي…

فالقارة القطبية الجنوبية من أشد الأماكن قساوة للعيش بعد الصحراء، لكن..مهما بلغ جنون القوم مبلغه فإنه لن يتمكن من اللحاق بكم إلى هناك، لا مخابراتهم ولا عسكرهم ولا بلطجيتهم ولا حتى مؤيديهم..أو مغفليهم..فكلما كان المكان قاسيا متطرف المناخ كلما كان أكثر أمناً وأماناً ويحمل في طياته عوالم من راحة البال(…).

القبطب الجنوبي

القطب الجنوبي

غير أن القطب الجنوبي يتطلب منك أخذ ما يمكن أخذه من غذاء ومعلبات بحيث تكفيك وعائلتك طوال فترة الشتاء كاملة، ذلك أنكم ستبقون حبيسي المكان الذي ستتخذونه مأواً لكم، فلن تبحثوا طويلا قبل أن تجدوا أحد الأكواخ المهجورة منذ زمن، والتي قد تحوي بدورها الكثير من الجاجيات التي تلزم حياتكم اليومية.

غابات أندونيسيا العذراء…

رغم ثراء هذه الغابات بالمصادر الطبيعية من مياه وطعام وأخشاب..إلا أنها قد تبدو للوهلة الأولى غير قابلة للعيش مطلقا، فهي غابات عذراء لم تطأها قدم إنسان من قبل، مطيرة، وعرة، كثيفة، متشابكة، رطبة، يعيش فيها شتى أنواع الحشرات السامة وغيرها من الحشرات المزعجة، الأفاعي، الوحوش المفترسة والتماسيح(…) الأمر الذي يصنع منها أماكن مثالية للعيش الآمن بعيدا عن جنون البشر(…).

غابات أندونيسيا العذراء

غابات أندونيسيا العذراء

حقيقة، لقد استلهمت الفكرة من الملياردير الكندي الذي اختفى فجأة، ثم عثروا عليه بعد أربعة أشهر في غابات أندونيسيا العذراء تلك، وهو يرتدي أوراق الشجر ويعيش على الصيد ضمن حياة بدائية تماما، وعندما سألوه عن السبب الذي دفعه للعيش بهذه الطريقة قال “لقد سئمت امتلاك المزيد من الأشياء، أفضل شىء أن نعيش كالحيوانات مع قليل من التفكير”.

فالجنون الذي نشهده وبات من حولنا الآن، لن يجدي معه نفعاً مزيداً من الثبات والصمود..فتركه حتى يختفي أو يأكل بعضه بعضا هو أفضل بضاعة قد نتاجر بها يوما “”ألم تكُن أرضُ اللهِ واسعةً فتهاجروا فيها””.

 

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>