رحلتي غربي النهر/ج2

أريحا وبيسان وذهولي

أصناف من المعاناة قاسيناها على المعبر اليهودي، وعندما تحركت بنا الحافلة مجددا بعد الوقوف الطويل العبثي الذي أجبرنا عليه ذاك الجندي اليهودي الغبي، ها هي الحافلة تتحرك ومعها روحنا أيضاً، بالرغم من أنني بت داخل فلسطين الآن، إلا أنني لم أشهدها بعد، كم أتوق لذلك! كنت متلهفاً لأن أرى المباني والناس يتمشون من حولنا على الطبيعة بعيدا عن شاشات التلفاز، المنازل والمتاجر والمزارع، فلسطين، ما هي؟ وكيف تكون على الواقع؟.

يا إلهي…إنها أريحا، أقدم مدينة في التاريخ، شوارع هادئة مستكينة، مدينة رائعة لم أتوقها حقيقةً، جزر شوارعها تشمخ عليها أشجار النخيل، ليست طويلة وليست ممشوقة، كانت قصيرة جدا ضخمة الجذوع مقارنة مع النخيل الذي نعهده، عراجين بلحها كانت كثيرة غلفت بأغطية بلاستيكية مشبكة، هذا النخيل في الجزر الوسطية للطرق وعلى جوانبها، لكنه بدا وكأنه في مزرعة…لا يلمسه أحد.

منظر عام لمدينة أريحا وتظهر به كثافة أشجار النخيل

منظر عام لمدينة أريحا وتظهر به كثافة أشجار النخيل

أين الفلسطينيون؟ لما هم قلة في الشوارع؟ أتوق لرؤيتهم، أخبرني زميلي في مقعد الحافلة بأن الوقت ظهيرة والناس غالبا في قيلولة أو يتجنبون حرّ الشمس القائض، فمدينة أريحا حارة المناخ صيفاً، معتدلة دافئةً شتاءً، لكن، أين اليهود وجيباتهم العسكرية؟! أخبرني زميلي في المقعد مجددا، ألا تعلم أن مدينة أريحا محرمٌ على اليهود دخولها، وملعونٌ من يضع فيها حجراً فوق حجر حسب دينهم؟ ماذا؟! أرجوك يا ربي إحمِ قلبي وعقلي الصغيرين…إذا ما معني إتفاق غزة إريحا أولاً؟ لماذا لم يكن غزة نابلس مثلاً؟!(…).

 شاهدت الشرطة الفلسطينية تتواجد بكثافة في شوارع أريحا، كان بعضهم ينظم حركة السير، وكثيراً منهم شاهدته بين المتاجر وعلى نواصي الطرقات، تسائلت في نفسي هذه المرة، ماذا يعني وجودهم بالنسبة لأهل هذه المدينة، وكيف كان الريحاويون يحيون قبل الشرطة الفلسطينية هذه؟ هل هم بالفعل بحاجة الى هؤلاء كي ينظموا سيرهم ويحفظوا أمنهم؟!.

بحق الله، تبعد القدس عنا الآن خمسةً وسبعون كيلو متراً! لكن، أتعلمون شيئاً؟ كانت تبعد عني القدس وأنا في عمّان إثنان وسبعون كيلوا متراً(…) طلبت من قلبي أن لا يميل الى أي جهة، فهو لم يعلم على أي جنب يحترق!.

 لم يهدأ قلبي بعد من خفقانه تجاه أريحا الهادئة الساحرة، وتطل علينا بيسان، مدينة بيسان التي لطالما رفّ قلبي لإغنية فيروز عنها (أذكر يا بيسان…)، لما غنت فيروز لبيسان، هل عنت ذلك، هل شاهدت فيروز بيسان؟ ليتك يا فيروز تزورين بيسان ليتك! في بيسان لا وجود للفلسطينيون الآن، عدا تلك البيوت والمباني القديمة التي تدل على تاريخهم وحقهم فيها، أحياء من العراقة إسترقتُ النظر إليها عبر نافذة الحافلة، ملاصقة لهذه الأحياء كانت أحياء ذي طابع أوروبي، يبدو أن ساكنيها من المغتصبين اليهود الأوروبيين، لم يتنازلوا عنها رغم مناخها الحار فهي قريبة جدا من أريحا، لكن سحرها لا يقاوم.

أكثر ما لفت نظري في هذه المدينة التي تركت جرحاً غائراً جداً في قلبي، هو غابات النخيل، أفق لا نهائي من غابات النخيل، زُرعت بعناية فائقة من قبل اليهود، تجد النخيل بنفس الطول والحجم وبخط مستقيم متناهي الدقة! لكن، أين يذهب اليهود بهذا الإنتاج الضخم من التمور؟ الى أروبا أم أمريكا؟ بلايين الأطنان من التمور(…) ماذا؟ هل تعتقدون أنا أكلنا منه يوماً؟! ربما.

غابات النخيل في مدينة بيسان

غابات النخيل في مدينة بيسان

بين أريحا وبيسان، كبين الصحراء الكبرى وأوروبا…نخيل المدينة في أريحا أَطلق حُباً تجاهه في قلبي، لكن أين غابات النخيل الفلسطينية العربية في سهول أريحا؟ قد يُضيّق اليهود على زراعته، فهم يستحوذون على إقتصاد النخلة يبدو، هذا اعتقادي الشخصي، لكن كان واجباً إنشاء تلك الآفاق المشابهة من غابات النخيل الريحاوية أيضاً.

غابات النخيل في بيسان ويظهر شكلها الهندسي المنظم

غابات النخيل في بيسان ويظهر شكلها الهندسي المنظم

على أطراف بيسان، وخارج تجمع البنيان، شاهدت بعض البيوت الريفية القديمة ذي الطابع العربي الأصيل بجدرانها الأربعة من الحجر، الحجر البارز كثيراً الى الخارج والذي نطلق عليه “حجر الطُبزة” هذه البيوت والتي من المؤكد أنها شيدت قبل الإحتلال بأعوامامٍ كثيرة، يقطنها اليهود الأن، لم يهدموها أو يغيروا شيئاً من معالمها، لم يقتلعوا حتى أشجار الزيتون العتيقة من حولها، كما يفعلون الآن في القدس والكثير من القرى التي هجر أهلها منها وهدمت ومحيت معالمها تماماً، قلت في نفسي علّ هذه البيوت التاريخية وأشجار الزيتون تبقى شاهداً تاريخياً على أننا أصحاب الأرض والحق(…) نعم هي مأساة بقدر ما هي فخر بأن تكون مثل هذه المنازل والأشجار كمدافع عن حقنا.

>>>يتبع

 

 

 

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>