في الذكرى المئة لحالنا

منذ أن بدأت أعي أن هناك عالماً آخر خارج حينا، ومنذ أن بدأت أعي أن الناس ليس بالضرورة كمثلنا -همنا الأكبر أن نؤمن لقمة العيش!- وأنا أحاول أن أتقبل فكرة مقيتة تلتسق في الذهن كالتساق الرائحة البشعة في الأنف، فكرة أننا عرب متخلفون (…)، مذ تلك الأحايين وأنا أرفض التسليم بأننا كذلك، ولماذا أسلم أصلا؟! كان دائما يبدو لي كواقع قوي بل رسمي على درجة رفيعة (…) حتى لكأن الكل يعتقد بأن تقبله لذلك الواقع المقيت واجب وطني مقدس، وبالتالي عليه أن يتقبل تخلفنا وفقرنا ورجعيتنا وانبطاحنا وتفاهتنا وهو سعيد يرفع راية التفاؤل!.

أنا سعيد للغاية هذه الأيام، إذ أننا بدأنا نشبه العالم المتقدم بشيء، شيء واحد على الأقل، بالرغم من أن هذا الشيء منبع لإكتئاب الأمة من محيطها الى خليجها، إرهاصات التغيير ربما، إفرحوا أيها القوم (…) نحن نمر الآن بمرحلة، مرت بها أوروبا خلال فترة عصورها المظلمة، أنا متفائل جدا! ما هي إلا “1000” سنة فقط، وسنصبح أمة كأمم أوروبا وبشر كبشر أوروبا، والشيء المفرح أكثر، هو أن فترة عصورنا المظلمة ربما تكون أقل من فترة العصور المظلمة التي مرت بها أوروبا، بمئة أو مئتي سنة، ربما، أليس ذلك يدعو الى التفاؤل؟

لكن، لماذا انتظرنا الى القرن الواحد والعشرين كي نبدأ بفترة عصورنا المظلمة؟! وهب أن عصورنا المظلمة التي نمر بها اليوم، ستنتج إنسانا متطورا كالإنسان الأوروبي الذي أنتجته عصوره المظلمة، والتي امتدت من 500 الى 1500 للميلاد، فهل سيكون هناك جدوى من كوننا سنصبح متطورين كبشر وكمجتمعات وكأنظمة (…) في تلك الأزمنة؟

أنا صراحة ما زلت متفائلا، لكن ربما أن التشاؤم والإكتئاب والسوداوية، أصبحت لدينا تجربة حياة، خبرة لا يمكن التنازل عنها بسهولة، حيث تكمن إجابة التساؤل السابق فيما يقوله اليوم فلاسفة ومفكري عصرنا وعلماء الأنثروبولوجي -علماء علم تطور المجتمعات- حول تعاقب العصور على الإنسانية، فمن المعروف أن البشرية مرت بعصور متتالية (العصور الحجرية، القديمة والوسطى والحديثة، العصور المعدنية، البرونزية والحديدية والذهبية، العصور المظلمة، وعصر النهضة، وعصر الصناعة، وعصر الحداثة، وأخيرا عصر المعلوماتية)، في الواقع نحن العرب لم نكن حاضرين في معظم هذه العصور سيما الثلاثة الإخيرة منها! لكن ليست هنا المشكلة -أو السوداوية التي نعشق- فعلماء الأنثروبولجي يقولون أن عصرنا الأخير، وهو عصر المعلوماتية، قد أُشبع حاليا، إذ أصبح يتضاعف كل يوم 10 مرات، بعد أن كان يتضاعف مرة كل 10 سنوات، ويعتقدون هؤلاء العلماء بأن هذا العصر سينتهي بحلول العام 2025، وسيبدأ من بعده عصر أطلقوا عليه “عصر الحكمة“، عصر الحكمة هذا، حيث لن يعد وجود للدول التقليدية التي تبحث عن القوة العسكرية أو الإقتصادية أو المعرفية فحسب، بل سيضم فقط تلك الدول أو المجتمعات التي تتسم بالحكمة في كل أوجه الحياة المادية والمعنوية التي تحياها، سيكون مقياس تقدم الأمم على بعضها هو مدى توفر الحكمة في كل أمورها العسكرية أو الإقتصادية أو المعلوماتية أو المجتمعية أو التعليمية أو البيئية…(…).

أين سيكون العرب من ذلك كله، ونحن أمامنا عشرات بل ربما مئات السنين كي نخرج من مستنقع عصورنا المظلمة؟ ألم أقل لكم أن السوداوية والتشاؤم أصبح في دمنا؟ لكن، لو قلبنا الموازين معاً، قليلاً، وقلنا إن السوداوية التي نحن بصددها الآن، قد تكون محفزاً كالألم الذي يدل على المرض في الجسم، ليدفعنا الى العلاج، إنه عصر الحكمة يا قوم، يقترب منا بسرعة، إنه أقرب إليك من حبل وريدك فماذا أنت فاعل؟. 

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>