فتح النون وتسكين الصاد

مررت اليوم بشارع، قلّما يكون مزدحماً، لكن على غير العادة، كان اليوم شديد الإزدحام، على الرغم من أن الفرصة سنحت لي، أكثر من مرة، للهروب منه، لكن الفضول دفعني الى المواصلة، لكي أكتشف في النهاية، أن الأمر كان وجوداً كثيفاً لآليات تمهد لإنشاء “نصب تذكاري” حسب اللوحة الإرشادية التي وضعت قبيل الورشة، وما أكثر الأنصاب في شوارعنا!.

دائما أعذر المسؤول (النائب والوزير والمدير العام…) عندما يتقلد منصبا وتأتي تصرفاته وأفعاله على عكس ما كان يتحدث به، قبل أن يُصبح مسؤولا، من وعود وخطط طموحة، وأنه يختلف تماما عن سابقيه ممن تقلدوا يوما هذا المنصب.

ربما أنا الوحيد أيضا الذي يشعر بصدق مشاعر ذاك المرشح النيابي، أو المرشح لرئاسة البلدية مثلا، وهو يخطب في الناس من مؤيديه الذين تجمهروا بناء على دعوة منه على مأدبة غداء، أو عشاء، مهيبة.

صدقوني، حتى الوزير وهو يسعى للحصول على هذه الحقيقبة الوزارية أو تلك، يكون هو أيضا صادقا جدا ومتحمسا لرسم الخطط وتنفيذها وتطوير العمل والنهوض بوزارته الى مستويات عليا، وربما التقليل من المحسوبية أيضا.

لكن، مالذي يحدث بالضبط، وخصوصاً لهذا المسؤول العربي، بعد أن يتقلد المنصب الذي سعى إليه جاهدا؟ لماذا يبدو وكأنه عُطلت حواسه وجوارحه تماما؟ فلا وعود تستوفى، ولا خطط تنفذ، ولا سياسات صحيحة تتبع، ولا فساد يختفي أو يقل (…) ما المشكلة؟ كنت جادا عندما أخبرتكم بصدق مشاعر ومرامي وأهداف هذا المسؤول العربي، قبل أن يفوز بمنصبه. إذاً، أين الخلل، هل هو في طبيعة المنصب أم في المسؤول نفسه؟

بكل إختصار، يا قوم، الأزمة الذي يعاني منها المسؤول العربي، أي مسؤول عربي، هي، “أزمة رجولة”. نعم بكل تأكيد هي أزمة رجولة، فالمسؤول العربي، بعد أن كان صادقا في وعوده قبلا، نجده تالياً لا يملك الرجولة الكافية والمطلوبة، لتنفيذ وعوده وخططه الطموحة، في وجوه الذين هم أعلى منه منصبا وفاسدين، أو الأقل منه منصبا، لكنهم متشبثون في وظائفهم التي تغذي الفساد والفاسدين دائما. هو بحاجة للرجولة الكافية، لتمكنه من السباحة عكس التيار في ظروف مماثلة.

حقيقة، قلة هم المسؤولون العرب الذين يمتلكون تلك الرجولة التي تعطيهم زخماً أمام أولئك الفاسدين الكبار، والمفسدين الصغار. قلة هم يا قوم. لذلك، نجد أن أشهر وأكبر إنجاز قد يقوم به أمثال هؤلاء المسؤولين الذين أحدثكم عنهم، هو إنشاء ذاك “النَّصْب التذكاري”، بفتح النون وتسكين الصاد، وإلا لما كان حالنا على ما نحن عليه الآن.

إقرأ أيضا: صحيفة العربي الجديد

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>