العادات البدوية ومأساة رمضان

قبل سنة من الآن وتحديدا في الخامس من رمضان الماضي، حدثت جريمة مروعة في أحد ضواحي العاصمة الأردنية عمان يطلق عليها (جبل الجوفة) راح ضحيتها شابين إثنين في مقتبل عمرهما وهما أيضا من عائلة واحدة.

تعود الأسباب الغير مباشرة لهذه الجريمة لسنوات أربع أو خمس مضت، حين بدأ تقليد غريب ودخيل على المجتمع الأردني يتمثل بإستخدام المفرقعات أو الألعاب النارية للأطفال، أو ما يطلق عليه هنا في الأردن (الفتيش أو الفقيع)، خاصة في شهر رمضان وبالتحديد من بعد الإفطار! إذ يستمر الصبية والفتية اليافعين على حد سواء بإزعاج المواطنين الغافلين الآمنين المطمئنين وحتى المصلين في المساجد حتى وقت متأخر من الليل قد يستمر في أحيان كثيرة الى وقت السحور، باستخدام هذه المفرقعات بشكل كثيف جدا يدعو الى الجنون أحيانا.

بعض هذه الألعاب من الإزعاج بمكان حتى لكأنك تعتقد بأنه إنفجار لقذيفة مدفعية عيار 55مم! لقد أدت هذه الألعاب الى حوادث إصابات تعددت من قطع الأصابع الى الحروق الشديدة، وحتى الوفاة في أحيان عدة.

غريب جدا والحقيقة

الغريب أننا إذا رجعنا الى وزارة الداخلية، نجدها تقول بأن بيع مثل هذه المواد ممنوع منعا باتا! بل إن بائع هذه المفرقعات يعرض نفسه الى الحبس والغرامة، كما أن مستخدميها كذا، أما الجمارك الأردنية فهي تؤكد من جهتها أيضا بأن هذه المواد ممنوعا منعا باتا إستيرادها أو إدخالها الى المملكة بأي شكل كان! ويؤكدان هذان الطرفان بأن هذه المواد تدخل بمجملها الى المملكة بالتهريب، هذا يعني أن هذه المواد لو كانت مخدرات مثلا لغزت المملكة…وبالفعل فإن هذه المفرقعات تغزو المملكة ولا تخلو بقالة مهما صغرت من توفيرها وبيعها علنا! حتى إنك لتشاهد الباعة المتجولون (البسطات) يبيعونها على نواصي الطرقات وفي الأسواق أيضا بشكل علني، بل إن بعض هذه البسطات تتواجد أمام المراكز الأمنية مباشرة! وتحت مرأى من أفراد الشرطة والأمن!.

مالحقيقة إذا؟ الحقيقة يا أخوة هو أن هذه المواد المفرقعة تدخل بطرق شرعية الى المملكة! وكون إستيرادها وتجارتها وكما يبدو محتكرة لمتنفذين، فإنها تدخل تحت بند ((الألعاب))…بهذه الطريقة الإلتفافية تدخل هذه المواد الى المملكة وفي نفس الوقت لا وجود لمفرقعات.

إنتهت قصة الألعاب، لنعود الى جريمة القتل في جبل الجوفة آنفة الذكر، إذ أنه وفي الخامس من رمضان الماضي 2014 وبعد الإقطار وكالعادة بدأ الصبية والفتية بإشعال هذه الألعاب المزعجة المخيفة مما أدى الى نشوب مشاجرة بينهم في البداية ومن ثم تطورت لتغدو بين الكبار ثم عمّت عشيرتين كاملتين وأصبح الجنون هو الحكم العدل واستخدمت طبعا الأسلحة النارية، الأمر الذي أدى لجريمتي القتل في النهاية.

المأساة الكبرى

المأساة التي يعيشها الأردن بالتحديد في أمور مماثلة الى جانب إستهتار السلطات تماما بمسألة الألعاب النارية هذه لصالح متنفذين، هي مأساة يتسبب بها عرف يطلق عليه هنا (الجلوة العشائرية) والذي يحدث غالبا بعد حوادث وجرائم القتل، إذ يأمر محافظ المدينة أو المتصرف (الحاكم الإداري) عشيرة الجاني المتواجدة في المدينة أو المنطقة التي ارتكبت فيها الجريمة على الرحيل منها بشكل كامل، كل من يحمل إسم هذه العشيرة يجلي ويرحل حتى لو لم يسمع بالمشكلة التي حدثت أصلا، وإلا سيكون مصير منزله الحرق في أقل توقع، تترك هذه العوائل البريئة منازلها ومنازل آبائها وأجدادها، أو ربما يكون تارك المنزل هذا، عريس جديد ويدفع أقساط شقته الى البنك! فهو يترك الشقة ويستمر بدفع القسط! علاوة على ترك الأطفال لمدارسهم والآباء لأعمالهم وترك أصدقائهم وجيرانهم وحواريهم…حياة كاملة تنتهي تقريبا، كل ذلك في كفة، وسجن أقارب الجاني أو القاتل، أقاربه من الدرجة الأولى في كفة أخرى، حيث يودع والده وإخوانه وأبناء عمومته في السجن وهذا حسب ما تقول السلطات لأجل الحفاظ على حياتهم! لكن أسرهم تبقى في مهب الريح لسنوات طوال مع العلم أن معظم الذين يتم حبسهم عادة ما لم يكن لهم يد لا من قريب ولا من بعيد في الجريمة أو النزاع! وطبعا هذا ما حصل مع عشيرة قاتلي هذان الشابين.

هدم بيوت الشعر أسهل

عندما تعود لأصل الحكاية، تجدها تقليدا عشائريا موغل في القدم ضمن العادات البدوية وقضائها العشائري، والذي ما زال متبع الى يومنا هذا في الأردن، لكن قديما كانت بيوت البدو من الشعر (خيم الشعر) وهم أصلا رحلا من مكان الى آخر طلبا للماء والكلأ، فلم يكن يضير ذوي البدوي المعتدي مرتكب الجريمة، على هدم (فك) بيوت الشعر خاصتهم في سويعات قليلة لينقلوه الى مكان آخر.

أما الآن فالأمر ليس سيان البتة، ولا حتى قريبا منه، لا يمر شهر أكثر قليلا أو أقل إلا وتحدث جلوة هنا أو هناك في الأردن، وتعددت الأسباب والقتل واحد! لا يقوى المرء الآن على خلع منزله الإسمنتي ونقله إذا لا بد من ذلك، وعلى تركه لحياة كاملة بكافة تعقيداتها بهذه السهولة.

هناك الكثير من العادات البدوية العربية الرائعة، لكن والله إن الجلوة العشائرية هذه، لهي وصمة عار بشكلها الحديث هذا، إرحموا من الأرض يرحمكم من في السماء.

إنظر أيضا صحيفة رأي اليوم

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>