أرباب الجيوش الأعرابية

جانب من البوابة الثانية لمخيم الزعتري

البلدان التي عبرت الى الحداثة والتحضر، والتي كانت يوما تعبد ديكتاتورييها من الحكام المتجبرين، لم يكن لها أن تعبر قبل أن تكفر بالديكتاتور أولاََ، فلننظر الى الكرة الأرضية اليوم، ولنحاول تقسيمها بالطريقة الأسهل والأسرع، وهي مناطق الحداثة ومناطق التخلف، فعلى الرغم من انني صاحب نظرية بسيطة في ذلك، وهي أنني قمت يوماً بتقسيم الكرة الأرضية بطريقة سهلة للغاية (شمال بارد نشيط متطور، وجنوب حار كسول متخلف) ووجدت ذلك دقيقاََ الى حد بعيد، إلا أن التقسيم على طريقة الحداثة والتخلف كان أسرع وأسهل.

لكن، بالنظر مجدداََ، بعمق نوعاََ ما، الى طريقة التقسيم الأخيرة، لوجدنا أن طرفيّ البلدان في شقيّ هذا التقسيم تمتاز بمميزات، تجعلك تسقط عليها مبدأ “التمييز النقي”، بحيث أن لبلدان التخلف أرباباََ كثيرة لتعبدها؛ غالبا ما تتراوح درجاتهم الألوهية؛ فوق شعوبهم بين الديكتاتور الى المستبد. أما بلدان الحداثة، فلم يكن لها أن تعبر من العصور المظلمة والتخلف والرجعية وسيطرة الخرافات على الحياة العامة والرسمية ونظام الإقطاع والقهر والفقر والظلم، لم يكن لها أن تتخلص من ذلك كله، إلا من خلال الكفر بأرباب البشر من حكام ورجال دين وأباطرة.

أين تقع البلدان العربية بين التقسيمين؟ لا يمكن ان أبدأ بالتملق، ولا حتى دعوتكم لتتملقوا. البلاد العربية، منذ نشأتها الجدلية تلك الى يومنا هذا وربما بعده؛ تقع ضمن التقسيم الثاني، تقسيم بلدان التخلف التي تتخذ لها أرباباََ عدة، تعبدها من دون الله.

كل جيوش بلدان الحداثة بلا استثناء قوية، وخاضت بطولات أسطورية للدفاع عن حدودها وشعوبها وكينونة بلادها، خذ مثالاََ، وانظر الى الجيوش، الروسي والبريطاني والأمريكي…(…) هل نظرت؟ حسناََ، كم أمريكياََ مثلاََ شاهدته يوماََ يعتمر البوط (الحذاء) العسكري على رأسه، ويلتقط لنفسه صورة؟ كم بريطانياََ مثلاََ شاهدته وأسرته ينتعلون برؤوسهم كعائلة، البوط العسكري ويتباهون بذلك؟ يا عزيزي، شعوب الحداثة هذه يعتبرون جيوشهم أجهزة مجبرة وملتزمة بحمايتهم، لا وبل مجبرة على تحقيق الإنجازات الكبيرة من دون ثناء أو شكر أو حتى تقدير.

في بلدان التخلف، ومنها البلدان العربية، قلَّ ما نستذكر شيئاََ عن تلك الإنجازات التي ترقى الى منتصف أو ربع أو حتى عشر ما أنجزته وتنجزه جيوش بلدان الحداثة، إلا أن المفارقة المقرفة أنك تجد شعوب البلدان العربية لا تعبد الله؛ كما تعبد البوط العسكري مثلاً، ومنهم من قبَّله على شاشات التلفزة أو وضعه على رأس إبنه، والتقط له صورة مخزية تماماً، أو علقه على صدر زوجته! أو إبنته المراهقة. كما تعلمون، هناك صور كثيرة لعبادة الجيوش العربية من خلال (بساطيرها) العسكرية، والتي ترمز الى الإنحناء والركوع أصلاً للوصول الى الحذاء.

لكن، لماذا هذه الشعوب المتخلفة تعبد أحذية جيوشها بهذه الصورة المخزية؟ الجواب واحد، لأن العقل الباطن لهذه الشعوب يخبرها، دائماً، بأن مثل هذه الجيوش وجدت، أصلاً، للحفاظ على الأنظمة الفاسدة، أولاً وآخراً، وأنها لن تتوانى، يوماً، بإبادتها عن آخرها، فيما لو وقفت يوماً بوجه الظلم والإستبداد والقهر، فهي إذاً الشعوب كمن يستبق المجرم باستدرار عطفه وشفقته قبل اليوم المحتوم.

وللتذكير فقط، لا يمكن لكم أيتها الشعوب المقهورة الممتهنة المنقوصة الحظ المتخلفة الفقيرة، لا يمكن لكم أن تعبروا الى الحداثة والكرامة الإنسانية الحقيقية، قبل أن تتخلصوا من عبادتكم هذه الأرباب التي اتخذتموها.

إقرأ أيضاََ العربي الجديد

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>