مراكز إستطلاع تسخر من الأردنيين

لقطة لوسط البلد بعمان/ الأردن

أذكر في طفولتي الصعبة بعض الشيء كمعظم أقراني من الأطفال في ذاك الزمن، كيف أن أمهاتنا اللواتي كُنَّ يعانين ضيق الحال الإقتصادية مع آبائنا المكافحين ولا يقوين كالعادة على تنفيذ مطالبنا التي لم تكن يوما خيالية، كالحصول على حذاء جديد مثلا أو لعبة بلاستيكية بسيطة أو حتى أخذ مصروف للمدرسة يوماً أو يومين على الأكثر في الأسبوع، كن يروين لنا تلك القصص الخيالية حول أبطال جابت سيرهم وأخبارهم العالم كله بعد أن عانوا الفقر والجوع الشديدين، وكيف أن معظم العظماء إنما مروا دائما بظروف صعبة بل صعبة للغاية.

أذكر جيدا في تلك الأيام أن مثل هذه القصص الخيالية وأمثلة العظماء تلك كيف كان لها الوقع الساحر حيث كنا نتقبل بأريحية عدم حصولنا دائما وأبداً على مطالبنا البسيطة والتي ربما كانت لِتُشكل جزءاً يسيراً من بعض الحاجيات التي كانت تتواجد داخل حقائب  بعض أقراننا من الطلبة، إذ كنا نعتقد جازمين بأن أثمان هذه الحاجيات في حقائب هؤلاء الطلبة -المرتاحين- كانت لتشكل أثمانها ثروة لأسرنا المعوزة، لكن أبطال قصص أمهاتنا الخيالية تلك وبأس صبرهم كان المحرك الأكبر لصبرنا.

في المقابل لم يكن يخلو الأمر أيضا من بعض العقاب والضرب لأولئك الأطفال في سننا تلك، والذين امتازوا بذكاء أكثر من ذكائنا وعناد أشد حيث لم تكن تنطلي عليهم تلك القصص وأمثلة العظماء بل كانوا يعتبرونها في النهاية (ضحك عاللحى) أو تصبيرة فاضية في أحسن الأحوال.

على طريقة أمهاتنا تلك (من قصص خيالية وأمثال لعظماء) أطل علينا اليوم إستطلاعاً للرأي قام به أحد مراكز الدراسات في الأردن يظهز فيه إرتفاع شعبية الحكومة وأن ما نسبته 66% من الشعب الأردني راضٍ عن أداء الحكومة ويرى أن الأمور تسير في الإتجاه الصحيح!.

لا نعلم بالضبط من ما زال ينظر الى الشعب الأردني وكأنه طفل (كلمة تأخذه وكلمة تعيده) هل هي الحكومة أم مراكز الدراسات تلك أم كليهما معا؟!.

أعتقد أنني أعيش في الأردن ربما، لنقول، منذ نعومة أظفار حكومة الدكتور عبد الله النسور موضع الإستطلاع، لم أشاهد أو أقابل أي أردني أو أردنية لا طفلاً ولا راشداً، لا كهلاً ولا شاباً وكان يوماً راضياً عن أداء هذه الحكومة لا قبل تعديلها ولا قبل تجديدها ولا بعد، من أين أتى مركز الدراسات هذا بعينة الشعب الأردني هذه لا أعلم والله، كفاكم استخفافا بالشعب كفاكم.

أين الدراسات والإستطلاعات العلمية التي تنتهج البحث العلمي الصرف، والتي تحترم مراكزها البحثية قبل أن تحترم متلقيها من الشعب؟

المصدر: مقال نشر لي في صحيفة العربي الجديد وصحيفة رأي اليوم

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>