عودة العنف الجامعي الى الجامعات الأردنية ما هي الأسباب الحقيقة؟

الزمن الأسبوع الماضي عاد العنف الى الجامعات الأردنية من جديد بعد غياب أعتقد أنه غياب غير حقيقي، فبعض الجامعات علقت الدوام ليوم أو يومين، وبعضها قلص الدوام أو إقتصره على الإداريين فقط نتيجة المشاجرات الجامعية الطلابية والتي استخدم في بعضها الأسلحة.

لكن الغريب في العنف الجامعي هذه المرة أنه بدا وكأنه تضامنا من الجامعات تجاه بعضها البعض حيث انتشرت الشجارات الطلابية الجماعية من جامعة الى أخرى خلال نفس اليوم أو في اليوم التالي وهكذا، حتى أطلق على الأسبوع الفائت أسبوع العنف الجامعي في الأردن!

حقيقة توخيت عدم ذكر إسم جامعة بعينها لأنني ومن خلال هذه التدوينة لا أرمي الى التشهير بجامعات أردنية عريقة خرجت أجيال وأجيال من الأردنيين وغير الأردنيين وما زالت، لكني هنا أريد ان أناقش الأسباب الحقيقية التي أعتقد أنها وراء كل هذا العنف الجامعي المخجل البائس والتعيس.

الأسباب العامة

من الممكن وحسب رأيي أن نقسم الأسباب الى أسباب عامة وأسباب خاصة، فمثلا الأسباب العامة يكمن جُلها في كون المواطن الأردني وخاصة الشاب منه لم يعد يعول كثيرا على الدولة أو القانون من حيث تطبيقه وهيبته ومن بعده هيبة الدولة وجدية مؤسساتها، فأصبح هناك نقوص مرة أخرى حتى في ظل القرن الواحد والعشرين نحو العشيرة ومن ثم الفخذ “وهو من مكونات العشيرة” ثم العائلة! والعودة مجددا نحو تكريس المثل الشعبي البهيميّ “أنا وأخي على إبن عمي وأنا وإبن عمي على الغريب” بحيث نجد أن إنتماء المواطن الأردني الشاب الصاعد إتجه حصرا الى عشيرته وعائلته وذلك نابع من ضعف الدولة وهشاشة مؤسساتها في نظره وعدم تطبيق القوانين الغير فعالة أصلا بشكل متساوي وعادل على كافة المواطنين، لذلك فإن معظم المشاجرات الطلابية الجماعية في الجامعات الأردنية إن لم يكن جُلها هي مشاجرات ذات طابع عشائري بحت ولذلك أيضا نجدها امتدت الى جامعات أخرى كتأكيد على هذا الطابع إذ تضامن طلاب العشيرة الواحدة في جامعة أخرى مع طلاب عشيرتهم في الجامعة التي نشب فيها الشجار وانتقلت المشاجرة بدورها الى جامعتهم ضد طلاب العشيرة المقابلة!

هنا يجب علينا أن ننوه بأن من أهم مميزات البلدان المتخلفة هو امتداد العائلة فيها بحيث يكون الإنتماء الأول والأخير هنا للعائلة “العشيرة” وذلك وكما ذكرنا لضعف الدولة ومؤسساتها، وأنه من أهم مميزات الدول المتقدمة هي ما يسميه علماء الأنثروبولوجي “علم تطور المجتمعات أو علم الإنسان” بالعائلة الخلية، لا وجود للعشيرة هنا فالمواطن يشعر بالأمان اصلا في ظل الدولة ومؤسساتها وفاعلية قوانينها والعدالة في تطبيقها “العدالة الإجتماعية” لذلك نجد أن إنتمائه الأول والأخير هنا للدولة والبلد والوطن والمؤسسات.

من الأسباب العامة أيضا هو قصور في نظام القبول لدى الجامعات في الأردن، فهناك مثلا نظام “المَكرُمات” فهي توفر مقاعد جامعية لأبناء منتسبي ومتقاعدي القوات المسلحة وأبناء المعلمين وغيرهم من موظفي القطاع الحكومي، لكن فبالرغم من أن هذا النظام يتيح فرصا تعليمية جامعية لذوي الحظ الناقص من أبناء البلد وهذا أمر جليل ومقدر إلا أنه وفي ذات الوقت يتيح فرصا لدى طلبة إمتهنوا الغش في تحصيلهم الدراسي كون المكرمة في انتظارهم! أو حتى طلبة لم يكن تحصيلهم سوى مقبول في أفضل حالاتهم أُدخلوا الجامعة من خلال هذا النظام بلا جهد لينافسوا أقرانهم من أولئك الطلبة الذين سهروا الليالي الطوال ليتحصلوا على المعدلات التي تخولهم دخول الجامعة لنجد مثلا في نفس التخصص طلبة المكرمات -الجهلة- في كثير من المواد المطلوبة أصلا لتخصصهم الى جانب طلاب فطاحل في ذات المواد، وهنا تظهر الحقيقة المرة والقاسية في وجه طلبة المكرمات هؤلاء ليجدوا أنفسهم في النهاية -ضحية- لنظام المكرمات الذي جعلهم غير كفوئين البتة بدخولهم الجامعة من أصله الى جانب تخصصاتهم التي خولتهم لها تلك المكرمات أصلا، وهنا يبدأ الشعور بالنقص تجاه باقي الطلبة والحاجة الملحة الى التميز في جو مماثل، هنا فإن مثل هذا الطالب البائس وكَذَكَر “ليس بالضرورة كرجل” ذكر هائج إبن عشيرة أو عائلة كبيرة ومعروفة يشعر بالنقص والدونية أمام الإناث بالذات وباقي أقرانه من الطلبة المؤهلين، كل ذلك يضاف الى الفراغ الذي فرض عليه من جامعته وعدم وجود أنشطة أو فعاليات ناجعة ورائدة تستوعب أمثاله من الطلبة وتصهرهم في جو جامعي صحي، ليجد أنه لم يعد أمامه كي يظهر نفسه ويتميز سوى العنف ولا شيء غير العنف.

الأسباب الخاصة

أما الأسباب الخاصة فهي تتفرع الى التربية في الدرجة الأولى وفشل واضح في بنية اللبنة الأساس لأي مجتمع ألا وهي الأسرة، نجدها هنا في الأردن مشوهة في جوانب عدة فقد تكون أسرة متماسكة محبة لبعضها ناجحة أكاديميا وإقتصاديا لكنها تحقق فشلا ذريعا ومخجل في نظرتها وتقبلها للآخر!

أذكر أن معلمة للصفوف الأولى من المرحلة الإبتدائية أخبرتني ذات مرة بأن طفلا في صفها أخبرها بأنه لو لديه إصبع من جنسية عربية معينة لقام بقطعه! من أين جاء هذا الطفل البريء بأفكار مماثلة؟! هذا الطفل ذو الست أو السبع سنوات بالتأكيد جاء بمثل هذا الفكر العنيف الخطير الهدام من أسرته ومن أفكار أربابها التي يعبرون عنها في أحاديثهم أو تعاطيهم مع أمور مماثلة معينة أمامه.

فرع أخر من الأسباب الخاصة وهو شبه مقتصر تقريبا على ذوي أولئك الطلبة الذين ينخرطوا في دوامة العنف الجامعي وهو التشجيع على الغش في كل شيء وخاصة إمتحانات الثانوية العامة أو كما تسمى في الأردن “بالتوجيهي” الأمر الذي دفع وزير التربية والتعليم “د.محمد الذنيبات” لإتخاذ إجراءات وصفت بالعنيفة أحيانا للحيلولة دون الأهالي الذين يهددون مراقبين إمتحانات التوجيهي بالكلاشنكوف “الرشاش” للسماح لأبنائهم بالغش! أو يقومون بتحطيم سيارات المراقبين أو الإعتداء عليهم بالضرب في حال حرموا أبنائهم من الغش! تخيل في النهاية أن أمثال هؤلاء الطلبة المترعرعين في جو فاسد أخلاقيا تماما ذهبوا ليصبحوا طلبة جامعيين ومعهم كل أنواع الفشل التي يمكن لنا أن نتصورها! من فشل في التركيبة الذهنية التي ورثوها عن أسرهم إلى تشوهات أخلاقية مستعصية تماما.

الخلاصة والحل

إذا هي في النهاية فشل ذريع في المنظومة الأخلاقية للمجتمع ولبنته الأساسية حصدت من الوزير الفاسد والمسؤول الفاسد والتاجر الجشع الفاجر الذي يرفع الأسعار مع إرتفاع أسعار النفط ويرفعها أيضا مع إنخفاض أسعار النفط! والمواطن الغير منتمي…..الخ الى الطالب الجامعي الفاشل العنيف الذين من المؤكد أنهم جميعا تخرجوا من هكذا مؤسسات أسرية مشوهة أخلاقيا تماما.

لا بد أن الحل يكمن في التركيز على الأخلاق والتأسيس لذلك قبلا وقبل كل شيء داخل الأسرة الخلية الأولى التي ستفرز في النهاية وزير صالح ومسؤول صالح وتاجر غير جشع ومُشَرع حر وقوانين فاعلة وجامعات قوية وطلبة مؤهلين وناجحين وقادة مستقبل بحق.

المصدر: مقال نشر لي في صحيفة رأي اليوم 

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>