وطن من على تلال مدينة السلط

 أنهيت عملي هنا بعمان حوالي الساعة السابعة مساء، وبما أن التوقيت كان شتويا كنت أحس أن الوقت منتصف الليل.

أدرت محرك السيارة وبدأت بالمسير دون وجهة معينة، هل أذهب الى مقهى؟ أم أذهب الى وسط البلد لأتمشى هناك وأتطفل على أكشاك بيع الكتب كالعادة؟ كنت في حيرة من أمري لكن وفي نفس الوقت كنت سعيدا بالمشوار المبهم هذا، فعمان ليلا ليست ككل المدن إنها ساحرة بحق.

بعد مسير متثاقل أرهق المحرك وجدت نفسي في الحي الراقي الرائع المُطل “دابوق” لقد غذيت السير عبر الغابات فأنا أعشق المسير بالسيارة ليلا وخاصة في منطقة كهذه، الأشجار الكثيفة والشاهقة أحيانا وعبرها الفِلَل الفخمة ذات الأضواء البعيدة الخافتة والهدوء اللا نهائي، تسللت عبر دابوق نزولا حتى قرية “الفحيص” الرائعة الهادئة ومنها الى قرية “ماحص” الرائعة هي أيضا وهما قريتان تطلان على المدينة التابعتان لها إنها مدينة “السلط/ محافظة البلقاء”. 

وصلت الى شارع طويل زراعي رائع كان ضيق بعض الشيء لم اطأه من قبل، وجدته حيوي للغاية وعكس توقعاتي، السيارات المصطفة على محاذاته، أناس يتمشون تحت أضوائه الخافتة قليلا، بعضهم يجلس على حافة الطريق مباشرة والبعض الآخر وهم كثرة كانوا يتجمعون تحت شجرة صنوبر شاهقة الإرتفاع الكل كان يقف وبدوا لي وكأنهم يتجمعون حول شيء ما، أثار ذلك فضولي، فأوقفت سيارتي جانبا وذهبت نحوهم مباشرة، وإذا بشخص ترافقه فتاة يقف بوجهي مباشرة ويقول لي: كيفك ياصديقي إذا حابب تتفرج بتمنى توقف عالدور، فقلت له: ماشي راح أوقف عالدور لكن إنتوا تتفرجوا عشو ومن خلال شو؟ فأجابني على الفور: شو حضرتك ما بتعرف هاي المنطقة؟ فأجبته: لأ بصراحة أنا وصلت هون بالصدفة، شو هاي المنطقة؟ فأجابني: هاي ياصديقي منطقة “مغاريب السلط” المُطلة على فلسطين المحتلة وجبال القدس ومن خلال المنظار الذي تراه هناك يمكنك ان تشاهد وبوضوح أضواء ومباني القدس.

لقد قفز قلبي من صدري، يا إلهي ما هذه الصدفة؟! لم أتحرق شوقا كما تحرقت وقتها وأنا أنتظر دوري كي أشاهد جبال وأضواء مدينة القدس، شاهدت أضواء القدس ومبانيها وقُراها، وشاهدت أضواء مدينة نابلس أيضا وقراها، لقد أرشدني من كان يحرك المنظار المثبت على حامل الى كثير من القرى والبلدات الفلسطينية، بكى قلبي دما ودمعا معا…كم هي قريبة مدينة السلط على فلسطين كم هي قريبة على القدس وعلى نابلس كم هي قريبة على بيت جالا وسلوان ومخيم بلاطة ومخيم قلنديا ومخيم عسكر، كم هي قريبة على البلدة القديمة هناك في القدس كم هي قريبة على كنائسها ومساجدها وأسوارها…كم هي قريبة على المسجد الأقصى الحزين السليب المحاصر…كم هي قريبة كم! أترى شيئا يشع نورا على غير العادة؟ ركز قليلا، قال لي من يمسك المنظار، فقلت له نعم نعم ما هاذا؟ أتراه جيدا؟ نعم نعم أراه ما هو؟ إنها قبة الصخرة…ماذا تقول؟ صرخت بصوت عالي(…)

كانت تجربة رائعة لقد حُفِرت بذاكرتي حَفْرا، لكنها كانت حزينة جدا أيضا الأمر الذي دفعني للبكاء طوال رحلة عودتي الى المنزل.

6 comments on “وطن من على تلال مدينة السلط

  1. مقال جميل و لو اني كنت اتمنى ان يكون اطول قليلا … بالمناسبة يمكنك رؤية ما سبق وذكرته من أماكن بوضوع اكبر على ما اعتقد من شارع الستين في السلط فمن هناك تستطيع ان ترى بالعين المجردة في يوم صاف الكثير من المناطق المذكورة في مقالك و يا سلام لو كان معك دربيل …ستراها وكأنها امامك مباشرة… تحياتي لك و لروحك المغامرة.

  2. فدوى حسين

    فعلا بشار طافش انها تجربة رائعة يحسدك عليها الكثيرين وانا اغبطك واتمناها كثيرا كثيرا فهنيئا لك بتلك اللحظات

Submit reply to بشار طافش Cancel reply

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>